مرة بعد أخرى نسمع تقارير عن ضربات إسرائيلية ضد عناصر ومنشآت مختلفة في سوريا، ونسمع ان هذه الضربات ضد إيران أو حزب الله أو ضد أهداف "مرتبطة" بإيران أو حزب الله. ويقبل العالم بهذه الضربات عامة كأنّها أمر روتيني وينسى ويمضي، بدون محاسبة حقيقية لأفعال إسرائيل او تحقيق المزاعم المتعلقة بهذه الضربات حتى عندما تؤثر في حياة المدنيين (على سبيل المثال) الذين لم يتسطيعوا ان يستعملوا مطار دمشق الدولي لفترة بعد ما تعرض له من أضرار مادية سببتها ضربات إسرائيلية. ويبدو ان الخط الوحيد الذي لا تستطيع إسرائيل ان تتجاوزه هو استهداف الروس او الأتراك او عناصر التحالف الأمريكي ومن يتبع له في سوريا.
لكن هل نقبل فعلاً بالمزاعم الإسرائيلية والاشاعات المرتبطة بها على ظاهرها؟ هل هي المعلومات التي تعتمد عليها اسرائيل في القيام بضرباتها صحيحة؟ لا يقبل العالم بمزاعم الولايات المتحدة على ظاهرها بخصوص كل ضربة قامت بها في العراق وسوريا وأفغانستان.على سبيل المثال بالنسبة لأفغانستان ثبت ان آخر ضربة الطائرة المسيرة التي نفذتها الولايات المتحدة في ذلك البلد اساءت تعريف الهدف حيث ظنت انه إرهابي. فعلى اي اساس نفترض ان كل هدف للضربات الإسرائيلية هو كما تدعي إسرائيل وأنصارها والمسلحون و"الناشطون"؟ وفعلاً يبدو ان إسرائيل لديها قليل لتخسره في حال القيام بضربة على اساس معلومات غير صحيحة، لأنّ الضربة من وجهة نظر إسرائيل قد تكون عبارة عن اجراء احترازي ولا توجد محاسبة حقيقية ولا تحقيق مستقل يبحث في الضربات والأهداف. ، وان اردنا ان نقرأ الأحداث بشكل أكثر كلبيةً، فليست الضربات قائمة على معلومات غير صحيحة ، وانما هدف اسرائيل هو معاقبة الحكومة السورية وزيادة معاناة الشعب الذي يسكن في المناطق تحت سيطرة الحكومة السورية،
لنتأمل في اغتيال إسرائيل لفريد فؤاد مصطفى (كنيته: أبو الوليد) في الفترة الأخيرة. كان ينحدر من قرية حضر الدرزية بمحافظة القنيطرة. وقدمت القرية أكثر من ١٠٠ "شهيد" خلال الحرب في سوريا وبقيت صامدة في دعمها للحكومة السورية حتى بعد سقوط مناطق واسعة من المحافظة عن سيطرتها، وقام المسلحون الذي استلم بعضهم دعماً من إسرائيل، بإطلاق هجمات متعددة باتجاه حضر، الا ان كلها باءت بالفشل، وكان فريد من المدافعين عن حضر وكان لقبه "العقرب". وهنا اقدم لكم سيرته وغالباً اعتمد هنا على شهادة صديق مقرب منه وزاره عدة مرات وشارك في المعارك معه على الجبهات وهو مناصر لحزب الله خاصة ومحور المقاومة عامة.
وُلد فريد بتاريخ ٢٠ نوفمبر ١٩٧٦ وكان يدير سرفيس من حضر الى دمشق وكان رجلاً فقيراً. وأكمل خدمته في الجيش العربي السوري قبل اندلاع الحرب في سوريا وكان له ٤ أطفال: ثلاث بنات وولد. ومع اندلاع الحرب تطوع في صفوف اللجان الشعبية التابعة لشعبة المخابرات العسكرية الواقعة في سعسع (فرع ٢٢٠). طبعاً قد يقول قائل: هذا مجرد مظلة لحزب الله وما يشبه ذلك، او يقول انه كان تابعاً لحزب الله بنفس الوقت، ولكنني رأيت سجلات مكتب شؤون الشهداء والجرحى في حضر وتتضمن السجلات عدة أشخاص ارتقوا دفاعاً عن حضر وكانوا على سجلات القوات الرديفة التابعة لفرع ٢٢٠. ونظراً لقرب سعسع من حضر، فإنّه من المعقول ان يشارك الفرع هناك في تنظيم القوات الرديفة ومساعدتها على الدفاع عن البلدة.
كما لا أرى سبباً في نفي تبعيته لحزب الله لو كان تابعاً بالحقيقة ولو كان تابعاً لأخبرني صديقه بذلك. وبالطبع الانتساب للمقاومة شيء من الفخر والاعتزاز بالنسبة لمن تستهدفه إسرائيل فبالطبع عندما ارتقى مشهور زيدان في عام ٢٠١٩ بعد اغتياله من قبل إسرائيل، لم تنف الشهادة التي جمعتها في توثيق سيرته انه كان تابعاً لحزب الله بل كان الارتباط بالمقاومة شيئاً من الفخر والاعتزاز بحيث ظنت اسرائيل انه بلغ من خطره انه صار تهديداً على الأمن بالنسبة لها! وكذلك لو اعتبرنا سيرة علاء نسيب شبلي الذي ارتقى في درعا مقاتلاً في صفوف قوات الوعد الصادق التابعة للمقاومة الاسلامية حزب الله لم يكن ذلك شيئاً من الخجل وانما من الفخر والاعتزاز. وتم تسجيله على سجلات الفرع ٢١٧ ولكن ذلك شيء استثنائي في سجلات الشهداء من حضر وكذلك من الجدير بالذكر ان مشهور زيدان كان يعمل مع الحرس الجمهوري بالإضافة الى عمله مع المقاومة.
وقد يقول قائل ان فريد فؤاد مصطفى كان "عميلاً" او "متعاوناً" مع حزب الله بدلاً من التبعية بالمعنى الحرفي، ولكن مثل هذا الكلام يحتاج الى دليل. فماذا كان يعمل بالضبط ان كان عميلاً؟ هل كان يجنّد الشباب وان كان هكذا ما كانت الغاية؟ هل كان يزود معلومات عن مواقع الاحتلال في الجولان السوري المحتل ولماذا ينبغي لحزب الله ان يعتمد عليه؟ كان يجمع الأموال لصالح حزب الله ولماذا يحتاج الحزب الى مساعدة مالية منه؟ وما هو الدليل؟ لقد رأيت الصفحات المناصرة للمسلحين والاعلام الإسرائيلي ولا أرى شيئاً من الإثبات، بل يكررون نفس القصص ويعيدون نشر نفس الاشاعات. على سبيل المثال زعمت "قناة ١٢" الإسرائيلية انه كان يراقب مواقع الاحتلال ويساعد في صناعة العبوات ولكن المفروض ان يظهروا الدليل، وعندما نرى مصادرها، يتبين انها تعتمد على اشاعات المسلحين والناشطين المناصرين لهم والصفحات المناصرة لهم.
لنعُد الآن الى سيرة فريد: شارك في جميع معارك الدفاع عن حضر وكان اختصاصه رشاش ١٢،٧ مم وكان لقبه "العقرب" في التواصل العسكري الداخلي، كما قاتل على الخطوط الأمامية دائماً، وكان معروفاً عند المسلحين. ويذكر انه شارك في معارك الدفاع عن السويداء ضد هجمات داعش في عام ٢٠١٨، ولا يوجد دليل على مشاركته في اي معارك خارج مناطق القنيطرة والسويداء وبعد أحداث السويداء وعودة الحكومة السورية الى كل الجنوب السوري، ترك العقرب العمل العسكري وعاد الى الحياة المدنية، وكان يعمل على ميكروباص لم يملكه بالإضافة الى الزراعة. وتكلّم احيانا عن تحرير الجولان من الاحتلال الإسرائيلي.
وأكتب هذه السيرة لصالح التاريخ والحقائق كي لا ينسى التاريخ والأجيال القادمة فريد فؤاد مصطفى، ولا اقول ان الحق الكامل معي دائماً في توثيقي لكل لأحداث والتأريخ فلستُ متغطرساً، بل أقول انه حان الوقت ان يطلب المراقبون والصحفيون والاعلام المزيد من المعلومات ويدعوا الى محاسبة إسرائيل على ضرباتها في سوريا، ولا يقبلوا بالدعاية الإسرائيلية الإعلامية وما يدعم سردياتها من اشاعات على ظاهرها، ولا يقبلوا بهذه الضربات كأنّها مبررة ويعتبروها مثل الطقس. كلا! علينا ان نحقق ونحاول ان نبحث في الحقيقة عندما يصبح ذلك من الممكن. وان هذا الأسلوب يصب في صالح محاسبة اسرائيل على انتهاكاتها وأفعالها وحفظ الذكرى التاريخية.
وإليكم المزيد من الصور عن فريد.