خلال الحرب في سوريا، كانت "قوات الأصدقاء" من أهم القوات المقاتلة الى جانب نظام الأسد وهي كانت متكونة من تشكيلات سورية دعمها واشرف عليها ضباط من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله. وجاءت هذه التشكيلات تحت مسمى "قوات الدفاع المحلي" التي كانت مشروعاً منسقاً مع الجيش السوري. ومع انهيار نظام الأسد، انهارت هذه الشبكات أيضاً، فلا توجد "فلول" من هذه الشبكات تسعى الى اضعاف الحكومة الجديدة.
في حين أنّ المؤرخين يحاولون أن يوثقوا تاريخ الصراع، فإنّه من المهم أن يتكلموا مع من عملوا مع "قوات الأصدقاء" لأنّ المعلومات الواردة على النت قليلة، علما أنّ بعض المقاتلين قد يرفضون الحكي بسبب الخوف من عمليات الانتقام.
وأقدم اليكم مقابلة مع واحد من الزبداني أصلا وهو خدم في "قوات الأصدقاء" حتى انهيار النظام. من بين المسائل التي ناقشناها: أسباب الانخراط في قوات الأصدقاء وطبيعة الخدمة وعناصر القوات والعلاقات مع الجهات الأخرى وانهيار النظام.
عناصر قوات الأصدقاء في البادية وهم يمسكون الراية الإيرانية. |
س: لو تتكلم عن حياتك قبل الأحداث؟ متى ولدت؟ هل تربيت في الزبداني؟
ج: ١٩٩٨. أنا من الزبداني ولكنني ولدت في داريا وسكنت فيها. بداية الأزمة كنت في داريا. توفي اثنان من اخوتي في داريا في عام ٢٠١١، ثم تهجرنا الى الزبداني، وفي عام ٢٠١٧ رجعنا الى الشام.
س: كيف توفي اخوتك في عام ٢٠١١؟
ج: واحد قوسه قناص. قتل الآخر في مجزرة داريا: النظام قتلهما.
س: بداية الأزمة ما كان موقفك مما كان يجري؟
ج: كنت محايداً لكن بعد وفاة اخوتي صرنا معارضين للنظام. من المستحيل أن يحب أحد مقتل أخيه، لكن رأيت السجون بيننا وكيف تغلب الخوف. كانت عائلتي خائفة علي وعلى اخوتي بعد وفاة اثنين. كان النظام قاتلاً وظالماً. بداية الأزمة ظلموا كثيراً.
س: اي والله، فذهبتم الى الزبداني؟
ج: لم نذهب الى مدينة الزبداني بل قرية جنبها اسمها سرغايا. بقينا فيها من ٢٠١٣ حتى ٢٠١٧ عندما جئنا الى كفر سوسة في دمشق. كان بيتنا في داريا مدمراً. حاليا نستأجر. بالنسبة للأصدقاء، انبسطت كثيراً في العمل معهم.
س: فمتى تطوعت في قوات الأصدقاء أول مرة ولأي أسباب؟
ج: ٢٠١٧، للأسباب التالية: حماية نفسي من الذهاب الى الجيش وكان الراتب مفيداً لنا. تعرف كيف كان الوضع صعباً جداً. على وجه التحديد، نحن أهل الزبداني تعرضنا للمضايقة من قبل الحواجز في الأزمة. سواء كان عليك شيء أو لا، كانوا يأخذونك. كان هناك الكثير من الخوف. أما الأصدقاء، فلم أر إلا الخير منهم. لم أرهم أبداً يرتكبون مجزرة أو يقتلون اي واحد ظبماً. نظامنا كان ظالماً، عشت الجو. سيقول ابن ريف الشام وابن الغوطة نفس الشيء. لم يرفع أحد صوته بسبب الخوف، وفقدنا الأمل في سقوط النظام.
س: مع اي تشكيلات عملت ضمن قوات الأصدقاء؟ وفي اي معارك شاركت؟ كيف كانت شروط الخدمة
ج: لواء حضرت عباس وفرقة قمر بني هاشم وأخيراً الفوج ٤٧. شاركت في معارك محطة تي تو والبوكمال. كانت شروط الخدمة اعتبار خدمتنا بمثابة الخدمة في الجيش النظامي، وكانت الرواتب وشروط العمل أرحم من الجيش. لم يكن لدينا ضباط من الجيش وهذه أكبر نعمة لأنّنا لم نستطع ان نتحمل نظامهم وعقليتهم. كل شيء كان أفضل. خدمت في صحراء دير الزور ومعزيلة في نقاط التثبيت.
س: ما كان الراتب بالضبط؟
ج: ١٠٠ دولار، فكنت استلم ١٤٠٠٠٠٠ ليرة سورية.
س: ممكن التوضيح: هل حولوك في النهاية من قوات الأصدقاء الى الجيش النظامي؟
ج: لا. كنت في دير الزور. كل العناصر في دير الزور بقوا مع الإيرانيين ولم يتم تحويلهم الى الجيش.
س: كان هناك الكثير من الحكي عن "التشيع" ضمن صفوف قوات الأصدقاء. بامكانك ان توضح الحقيقة حول هذا الأمر؟
ج: لا، كذب. لم يفعل أحد هذا الشيء امامي. كان معظم قوات الأصدقاء سنة، لكن كان هناك عناصر من أصول شيعية، مثل نبل والزهراء وحمص
س: نهم وهناك ناس تشيعوا طوعاً صح؟
ج: سمعت في هذا الشيء ولكنني لا أر احداً يتشيع خلال خدمتي.
س: ولم يضغط الأصدقاء على الناس حتى يتشيعوا؟
ج: لا أبداً. لاحظ ما هو اسمي. ما اهانني أحد بكلمة أو أسمعني اهانة.
س: هل أوضح الإيرانيون لك أبداً سبب الفرز الى دير الزور؟ مثلاً هل تكلموا عن "طريق بري" من أجل المقاومة؟
ج: كنت اسمع في هذا الشيء: إنّ العراق وسوريا ولبنان طريق مشترك واحد. لم يتكلموا بشكل مباشر عن هذه الأمور. في النهاية كان الأمر عبارة عن أسرار دولة. لم يكشفوا عنها لأحد.
س: هل استهدفتم القوات الأمريكية في دير الزور؟
ج: نعم. ضربت إسرائيل ١٢ مقراً في دير الزور.
س: نهم اعرف أنّ الإسرائيليين استهدفوهم في دير الزور وقتلوا الحاج رسول.
ج: صحيح.
س: هل يمكنك أن توضح: كان فوجك بقيادة إيراني؟
ج: نعم الحاج مالك.
س: هل كان لاي ضباط من الجيش السوري أي دور؟
ج: لا لم يكن هناك اي ضباط. كان هناك مسؤولون سورين، ولم يكن هناك اي ضباط.
س: كيف كانت العلاقات بينكم والجيش النظامي وقوات الدفاع الوطني في دير الزور؟
ج: كلشي تمام. كانت هناك مشاكل في آخر فترة بين الدفاع الوطني والإيرانيين ولكنني لا اعرف السبب.
س: والإيرانيون لم تكن لهم اي علاقات مع الدفاع الوطني في دير الزور؟
ج: لا. في آخر الفترة كانت السلطة كلها للفرقة الرابعة.
س: في دير الزور؟ هل سبب ذلك مشاكل بين الرابعة والإيرانيين؟
ج: لم تكن هناك مشاكل ولكن الرابعة أفردت سلطتها على الجميع.
س: أيوا. ولكن هذه هي نقطة مهمة، لأنّها تدل على أنّ الرابعة لم تكن تابعة للإيرانيين كما يظن البعض.
ج: كنت أفكر هكذا. لما كنت في الشام، كانت كل مقرات لواء حضرت عباس تابعة لفوج ٥٥٥ التابع للرابعة: لازم تعرفه.
س: نعم. يعني تقصد أنّ كانت هناك مقرات مشتركة بين الرابعة والإيرانيين؟
ج: نعم، مقرات فقط. لكن لا دعم ولا مهمات. لكل ما له.
س: كيف كانت الخدمة في منطقة البادية ومكافحة داعش؟ على ما يبدو كانت داعش مشكلة طويلة المدى في البادية؟
ج: انتهت داعش في عام ٢٠١٨ ولم يبق شيء اسمه داعش.
س: نعم، أعرف أنّ "الخلافة" انتهت ولكن حرب العصابات استمرت في البادية.
ج: كانوا ينفذون كمائن أكثر شيء ويختفون في الصحراء. كان مقر تنف يحميهم.
س: هههههه. ولكن هذا صار مشكلة بالنسبة للجيش والحلفاء؟ يعني هل سقط الكثير من الشهداء؟
ج: نعم والله. كنت في نقاط التثبيت. كانوا ينفذون كمائن، ولم نعرف إلا أنّهم قتلوا فلاناً وفلاناً، أو كانوا يزرعون الغاماً.
س: هل استشهد اي رفاق من فوجك في كمائنهم؟
ج: نعم استشهد الكثير.
س: في الأيام الأخيرة ماذا صار بالضبط؟
ج: عندما سقطت حماه واتجه المسلحون نحو حمص، أمروا بان ننسحب ونترك مواقعنا.
س: ففي النهاية انسحب فوجك من البادية، وصار بعض رفاقك في العراق؟
ج: نعم. ذهب البعض الى العراق، ولكن العدد قليل. في النهاية رجع الكل الى بيته.
س: هل تتمنى العلاقات الجيدة بين إيران وسوريا في المستقبل؟
ج: أتمنى ذلك بكل قلبي. وتكلم أحمد الشرع البارحة عن الحفاظ على مقدسات إيران، كما حافظوا على السفارة الإيرانية.
س: ما رأيك في فكرة "محور المقاومة"؟
ج: والله لا اعرف ماذا اقول لك. نحن الشعب السوري تعبنا. نريد ان نعيش. كل الدنيا تحارب "محور المقاومة".
س: مثلاً كانت إسرائيل موجودة في بعض مناطق القنيطرة، وهناك ناس في الخارج يقولون إنّه "ينبغي على الحكومة الجديدة أن تتحرك من أجل قتالها." ما رأيك في مثل هذا الكلام؟
ج: عندما كان بشار في السلطة، ضربت إسرائيل، وكان الجيش أقوى، ولم يقل أحد ولا كلمة. استلمت الحكومة الجديدة دولة منهارة، وباعنا بشار لإسرائيل. زودها بكل مواقع الأسلحة وأول شيء ضربوه كان كل دفاعاتها الجوية.
س: برأيي هناك الكثير من المبالغات في الأمر، مع المزعم القائل بأنّ قوات الأصدقاء كانت "جيشاً متوازياً" مثل "حزب الله السوري".
ج: لا. لم تكن قوات الأصدقاء مثل حزب الله بقوته ولا قوة الأفغان. كانوا قوات رديفة لكن ليست مع قوة حزب الله أو الحشد الشعبي. كانت أسلحة قوات الأصدقاء اضعف أسلحة: أسلحة صينية.