خلال الحرب في سوريا هاجر العديد من الغزاويين الى شمال غرب سوريا نصرةً لفكرة الثورة، وكان من بينهم أبو خطاب الغزاوي الذي أصبح معروفاً في مناطق ادلب وما حولها (تحت سيطرة هيئة تحرير الشام وحكومة الانقاذ السورية). لقد أجريت مقابلة معه في الفترة الأخيرة حيث تناولنا عدة مسائل منها الوضع في غزة واغتيال رئيس المكتب الساسي في حركة حماس اسماعيل هنية.
اولا لو تتكلم قليلاً عن سيرتك في الهجرة والجهاد؟ يعني متى اتيت الى الشام من غزة وعملك في الساحة الشامية منذ وصولك؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على محمدٍ رسول الله وآله وصحبه أجمعين وبعد،،
بدايةً أعرفكم بنفسي أنا أسامة سمير النمس معروف بأبي خطاب الغزي
وفي الثورة السورية معروف (شامل الغزي) من مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة فرج الله عن أهلنا في غزة عاجلا غير آجل.
كان قدومي إلى سوريا منذ انطلاق الثورة السورية المباركة أي نهاية عام 2011،
وقد كان السبب الرئيس للهجرة أننا في فلسطين نعيش منذ عقودٍ ظلمًا كبيرًا على يد اليهود المجرمين، ولما شاهدنا خروج إخواننا السوريين للمطالبة بالحرية والكرامة وهم عُزّل، وشاهدنا كيف قابلتهم آلة البطش والإجرام الأسدية وسفكت دمائهم، عند ذلك استشعرنا ضرورة الهجرة لمساندة اخواننا المظلومين والوقوف بجانبهم ضد الطغاة الظلمة.
وقد عملت في مجالاتٍ عدة منذ قدومي لسوريا سواء في الجانب العسكري سابقًا أو العمل الجماهيري "الشعبي" مؤخرًا.
نرى اليوم تدمير المزيد من البيوت في غزة وتهجير الناس وقتل المدينين في ضربات جوية لا تنتهي. كيف يجب ان نفهم هذه الحرب على غزة؟ هل الحرب في الدرجة الاولى حرب دينية شنها اليهود على الاسلام والمسلمين؟
بالانتقال للحديث عن معركة طوفان الأقصى التي تخوضها قوى المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني المجرم، فإن هذه المعركة جاءت في سياق الدفاع عن حقوق هذا الشعب الذي لبث عقودًا وهو يعاني من الظلم والقهر والحصار وانتهاك المقدسات،
وقد رأى العالم بشاعة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الأهالي والمدنيين، بل تعدت ذلك إلى نسف المباني غير المأهولة، في جريمة متكاملة الأركان لا يُستثنى منها أي شيء في غزة.
وهذه الحرب -بلا شك- هي حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل وبين الاستبداد والعدل، والصور والأخبار الواردة من غزة خير دليل على أن الظلم الصهيوني بلغ مدىً كبيرًا وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وبالتالي كيف نفهم القضية الفلسطينية؟ هي قضية الامة الاسلامية او قضية وطنية وقومية اولا؟
إذا أردنا أن نضع القضية الفلسطينية في مكانها المناسب، فهي قضية إنسانية لا يجادل في عدالتها أي إنسان بغض النظر عن دينه ومعتقداته،
والظلم واغتصاب الحقوق كذلك من الأمور التي تأباها النفوس البشرية أيضًا بغض النظر عن أي ايديلوجيا.
إذا قررنا ذلك فإنه يخلُص عندنا أن القضية الفلسطينية هي قضية الناس جميعًا، ولا ينبغي أن تحصر بدين أو جغرافيا أو قومية.
فالظلم والاستبداد الذي يواجهه الفلسطينيون بشكل مباشر في صراعهم مع الصهاينة، يواجهه كافة شعوب العالم بشكل غير مباشر من أدوات الصهيونية التي تتحكم بالاقتصاد وتصادر الثروات وتشعل الحروب وتغامر بمصائر الشعوب.
واغفال ذلك أو التغافل عنه من شأنه إطالة أمد الظلم في العالم وهذا ما لا نريده لأي شعب كان.
ما يجب ان يكون موقفنا من فصائل حماس وحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين؟ مثلا يقول البعض انه لا يجوز دعمهما بسبب علاقاتهما مع ايران وحكومة الاسد في دمشق. هل توافق انت والمهاجرون الغزاويون في ادلب هذا الرأي والموقف؟ بشكل عام ما رايك وراي اهالي ادلب في اعمال 'محور المقاومة' في اطلاق طائرات مسيرة وصواريخ على اسرائيل؟
أما بالنسبة للموقف من علاقة حركة حماس والفصائل الفلسطينية بإيران ومحور المقاومة، فمن ناحية الأصل لا يوجد حرجٌ شرعي يمنع من أخذ الدعم من أي جهة كانت طالما أن الدعم يُستقوى به على العدو الأشد عداوة.
إنما الإشكال كان في التوسع في المدح والإطراء على محور المقاومة وكأنه رافعٌ لشعار العدل في الدنيا، والحقيقة أن محور المقاومة متلطخة يداه بدماء شعوب عربية وإسلامية دمها يكافئ الدم الفلسطيني، وهذا الأمر -أي التوسع في مدح إيران- كنا ننكره في كل محفل وعلى العلن.
لكن لا يلزم من إنكار الخطأ على إخواننا أن نصطف في الجهة المقابلة لهم أو أن ندير لهم ظهورنا في وقت هم فيه في أمسّ الحاجة إلى الدعم والتأييد والمناصرة.
ولا ينبغي أيضًا أن نغفل حالة الخذلان العربية للقضية الفلسطينية بل والتآمر عليها والتطبيع مع الصهاينة لوأدها والقضاء عليها، فإن استحضار حالة الخذلان هذه يجعلنا أكثر استيعابًا لخيار فصائل فلسطين اللجوء إلى إيران التي مدّت لهم يدها وفتحت لهم أبوابها.
مع بقاء إنكارنا على إخواننا توسعهم في مدح والثناء على إيران التي أجرمت بحق أشقاءنا من الشعوب العربية والإسلامية.
بالنسبة لدور إيران ومحور المقاومة في معركة طوفان الأقصى فإلى اليوم لم يصل للمستوى المطلوب أو المتوقع، فإيران ومنذ عقود ترفع لواء نصرة فلسطين والأقصى وتتاجر بها على الملأ وتحشد الشيعة وتجندهم تحت هذا الشعار، بل إن سفكها لدماء الشعب السوري والعراقي واليمني كانت تبرره بأنه وقوفٌ في وجه المشروع الصهيوني وأدواته كما تزعم وتكذب.
واليوم عندما جاء الاستحقاق ووضعت إيران تحت المحك لم نجد لها مشاركة حقيقية ودخول صريح في معركة القدس، ليظهر للناس كذب إيران في زعمها نصرة فلسطين والأقصى، وأنها كانت تستعمل دعم فصائل المقاومة الفلسطينية لتنظيف صورتها أمام شعوب المنطقة ولتنفذ مشروعها الخاص بها والذي ليس القدس من ضمن أولوياته وبرامج أعماله.
لكننا نظن ونستقرئ أن معركة طوفان الأقصى سيمتد أوارها وآثارها إلى المنطقة ككل وسنشهد توسعًا في خارطة الصراع قد تكون إيران وأذرعها -مجبرة- جزءٌ منه..
وبالتالي شهدنا اغتيال اسماعيل هنية من قبل اسرائيل في الفترة الاخيرة. هل يحق ان نترحم عليه ونقول انه شهيد، علما انه اغتيل في طهران؟ ما هو موقف الناس في ادلب وما حولها من هذا الامر؟ لماذا لم تصدر هيئة تحرير الشام بيان التعزية الرسمي؟
بالنسبة لاغتيال الأخ المجاهد أبي العبد هنية رحمه الله وتقبله في الشهداء، فهذا مما يحزن له القلب، فقد أمضى الرجل عمره مناصرًا للأقصى وفلسطين، وقدّم أبناءه وأحفاده شهداء ونعاهم بكل صبر وثبات في مشهد إيماني ينم عن عمق القناعة والإيمان بعدالة القضية التي يمثلها وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد رأينا حالة الحزن والألم والنعي لأبي العبد من جميع مكونات الأمة الإسلامية بعلماءها ومؤسساتها الحرة ورموزها وكوادرها وجميع أبناءها، ولم يكن للثورة السورية التي هي جزء من الأمة الإسلامية أن تخالف أو تتخلف عن هكذا موطن، فأظهرت موقفها الرسمي بنعيها لأبي العبد عبر بيان لإدارة الشؤون السياسية وآخر لمجلس الإفتاء في المناطق المحررة وثالث للمجلس الإسلامي السوري، هذا فضلاً عن نعي نخب ورموز الثورة له وإقامة صلاة الغائب عليه في كثير من مساجد المحرر استجابة لدعوة وزارة الأوقاف في حكومة الإنقاذ السورية،
كما أقيم بيت عزاء لأبي العبد في منطقة أطمة حضره ممثلون عن الثورة السورية والتشكيلات الثورية والمكونات الاجتماعية.
وهذا يعكس حالة الوعي العالية لدى إخواننا السوريون بارك الله فيهم.
نعرف ان الدعم الغربي لاسرائيل مهم جداً. نظراً لذلك كيف يمكن للمسلمين في الغرب ان يساعدوا غزة فضلا عن التبرعات المالية؟ مثلا هل يصب اسلوب المظاهرات في مصلحة غزة واهلها؟
لا بد أن نعلم أن مواقف الناس تتفاوت في الأزمات والأحداث، واذا أردنا الحديث عن المطلوب فإنه النزول إلى الشوارع والاعتصام فيها وإيقاف المؤسسات بل والحركة في الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة حتى تتوقف الحرب على غزة.
وإننا بدعوتنا هذه ننسجم مع الموقف الإنساني الذي يجب أن يكون ابتداءً من هذه الشعوب بل والحكومات التي ترفع صوتها بالعدل والمساواة.
وهذه الشعوب إنما تعبر عن هويتها بمواقفها، فإن هي وقفت في وجه الظلم وأوقفته تكون بذلك شعوب جديرة بأن يقتدي بها الناس في عدالتها وحضارتها، وان وضعت رأسها في التراب وتغافلت عن الدماء المسفوكة والأرواح المستباحة فهذا يعني أن العدالة التي يلوّح بها الغرب ما هي إلا شعارات لا تتعدى الحناجر التي تصدح بها والحبر الذي تكتب به.
فدعوتنا للشعوب الغربية أن تنزل للشارع وتصدح في الميادين وتعتصم ليتوقف شلال الدماء، وهي قادرة على ذلك كما نعلم.
نظراً لعلاقات بعض الدول العربية مع اسرائيل هل يمكن القول ان حكام هذه الدول وقعوا في الردة والواجب هو اسقاطهم حتى يتم تحرير فلسطين؟
ما بالنسبة للموقف من حكام الدول العربية فإننا نعتقد أن لهم كفل فيما يحدث في غزة من جرائم، فالموقف العربي لم يكن بالمستوى المطلوب البتة،
فقد ساهم الموقف العربي الهزيل بل والمتآمر في الفترة الماضية في تشجيع إسرائيل على ارتكاب المجازر بضوء أخضر عربي وبدون أي تعطيل.
وفيما كنا نأمل أن تساهم الجيوش العربية المدججة بالأسلحة والمجاورة لأراضينا المحتلة في مساندة الثوار الفلسطينيين، رأيناها تقمع وتمنع الشباب من الوصول إلى الحدود للاشتباك مع الصهاينة.
وهذا موقف خياني يسجله التاريخ
أن حكام الدول العربية كلهم تواطؤوا مع إسرائيل على قتل وابادة اهل غزة، وأنهم تنازلوا عن المسجد الأقصى وعن المقدسات من أجل بقائهم في مناصبهم وكراسي حكمهم ولا حول ولا قوة الا بالله.
وعليه فإنني أتوجه بالدعوة للشعوب العربية والإسلامية بأن تبادر للمشاركة في هذه المعركة المقدسة
معركة الإنسانية مقابل الهمجية
معركة العدل مقابل الظلم
معركة الحق مقابل الباطل
معركة الإسلام والمقدسات مقابل الكفر والالحاد.
وتلك حروب من يغب عن غمارها .. ليسلم، يقرع بعدها سن الندم
فبادروا يا اخواننا وأغيثوا إخوانكم وكونوا عونًا لهم في معركتهم المقدسة ضد قوى الظلم والاستكبار...
هذا وجزاكم الله خيرا على إتاحة الفرصة لنا للحديث عما يدور في نفوسنا
ونأمل أن تصل كلماتنا إلى من يعمل بها ويكون له سهم في التخفيف عن أهلنا المظلومين في غزة
والحمد لله رب العالمين