مقدمة الناشر (أيمن جواد التميمي):
قد يتذكر القارئ انني أجريت مقابلة مع الشيخ أبو أنس المصري وكذلك نشرت في فترة سابقة مقالاً بقلم الشيخ حول عمليات تركيا والفصائل الموالية لها ضد قوات سوريا الديمقراطية السنة الماضية. والان يرجع الشيخ ليكتب مقالاً خاصاً بخصوص هيئة تحرير الشام حيث يشرح لماذا يعتبر مشروع الهيئة فشلاً زريعاً ولماذا يتوقع إنهيار الهيئة. طبعا كتب الشيخ هذا المقال في ظل الإقتتال الجاري بين هيئة تحرير الشام وفصائل غرفة عمليات <<فاثبتوا>> في شمال غرب سوريا وتكمن جذور هذا الإقتتال فيما ترى الهيئة انه تحد غير مقبول لسلطتها في المنطقة.
واليكم مقال الشيخ وكتبه بتأريخ ٢٤ يونيو عام ٢٠٢٠. طبعا الآراء المعبر عنها في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط.
هيئة تحرير الشام
وجذور الفشل والإنهيار
تمهيد
إن الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذبالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلاهادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
ثم أمابعد
فإن قيام الأمم والدول والأنظمة الحاكمة له أسسه ومقوماته التي يقوم عليها وأهمها العدل بين الناس.
وتحقيق العدل على الارض يتخذ صورا كثيرة
ونحن أهل السنة والجماعة أمة الإسلام الوسطي الرباني لنا خصوصية بين الأمم أنه لايصلحنا ويقيم دولنا وجتمعاتنا إلا العدل الرباني المستمد من الكتاب والسنة
وللأسف كثير من الدول التي انتسبت للإسلام خالفت هذا المعلم الأساسي ففشلت وشوهت صورة الإسلام النقية
التي حرص أعداؤنا دائما أن يحولوا بينها وبين رؤية الناس لها والعيش بها
ومن هذه الصور المشوَّهة والمشوِّهة
" هيئة تحرير الشام " وحكومتها " حكومة الإنقاذ.
دعونا نختصر كثيرا من التفاصيل
والمقدمات لكثرتها وطولها
ونركز على العلامات البارزةوالمهمة والفارقة في تاريخ وجذور نشأة هيئة تحرير الشام .
لنفهم شيئا ممايدور اليوم من أحداث في الساحة الشامية .
ثم نستطيع بعد ذلك أن نستشرف المستقبل القريب والقريب جدا للأوضاع في المحرر.
فهيئة تحرير الشام صدّرت نفسها لتكون السلطة الشرعية الوحيدة القائمة على ميراث الثورة،والحاملة لمسؤلية أهل السنةبالمفهوم الشرعي الإسلامي فيما يسمى بالمحرر
والتي يجب أن يكون لها حق السمع والطاعة.
وفي الوقت ذاته صدَّرت نفسها للمجتمع الدولي على أنها هي الطرف الأقوى القادر على ضبط الأمور وتنفيذ المقررات الدولية وإخضاع الجميع لنفوذها وسلطانها وعلى أنها الفصيل صاحب الأيديولوجية المطاطة المرنة المتماشية مع النظام العالمي والمتطلع لئلا يكون ضمن التصنيف السلبي والقوائم السلبيه
وفي الحقيقة ..كلا الأمران لايجتمعان أبدا ولا تستطيع أي جهة التوفيق بينهما بحال ولابد من الميل إلى أحدهما.
واختارت الهيئة الميل إلى المجتمع الدولي ؛ الطرف القادر على تحقيق طموحات الجولاني ومن اختاره- ليكون مطية له بجواره في هيئة تحرير الشام-
وفي الحقيقة أيضا أن كلا التصديرين له استحقاقاته المتعددة وواجباته ومسؤلياته.
الأمر الذي فشلت هيئة تحرير الشام في القيام به فشلا زريعا؛ فهي منذ قيامها تسير في منحنى هابط ، حتما نهايته الفشل والإنهيار ؛ الأمرالذي بانت ملامحه للمتابع القريب والبعيد
ونحن في هذا المقال نعرج على أسباب هذا الفشل وهذا الإنهيار المتوقع ؛من خلال عقيدتنا ووجهة نظرنا الإسلامية النابعة من كوننا مسلمين من أهل السنة والجماعة .
البداية
ماهو المكون الأساسي لهيئة تحرير الشام؟
المكون الأساسي لهيئة تحرير الشام هو جبهة النصرة مع تطعيمها ببعض الشخصيات التي كان لها الأثر السلبي و ساهمت بنسبة ما في الإنحراف الحادث في مسيرة الجبهة؛ واكملت أي تلك الشخصيات عوامل الإنحراف الكامنة في قيادة ورؤس جبهة النصرة من الأساس
وكأن الأمر صيغ صياغة محكمة لتكتمل دائرة الشر والفساد والمكر بأهل السنة على ارض الشام بهذاالكيان الجديد (هيئة
تحرير الشام)
فجبهة النصرة لأهل الشام هي فصيل دشنته الدولة الإسلامية في العراق وأرسلته نصرة لأهل الشام في أواخر ٢٠١١
فنشأة جبهة النصرة كانت بخروجها من رحم مايسمى بدولةالعراق الإسلامية
،ذلك الكيان الهش أو قل الوهمي أو الهلامي ؛ الذي ايدته قيادة القاعدة في خرسان - حين قيامة - بغير دراسة .
فكانت(أي دولة العراق) وبالا على القاعدة قبل أن تكون وبالا على غيرها من الفصائل المجاهدة و قبل أن تكون وبالا على الأعداء .
فجبهة النصرة بقيادتها التي ارسلتها دولة العراق الإسلامية تحمل في طياتها عوامل الفشل والإنهيار منذ النشأة
ولم تكن يوما تمثل قاعدة الجهاد في أي منحى من المناحي أوعلى أي مستوى من المستويات
ونحن شاهدون من الداخل على تفاصيل ذلك
وحين انقسمت جبهة النصرة في الشام إلى فصيلين
احدهما بقيادة الجولاني والآخر راجع إلى قيادة البغدادي ؛ لم يختلف الفصيلين كثيرا في غالب بل أغلب أركان الصورةالمشوهة ظاهرة التشوه للمتابع.
فكان على رأس جبهة النصرة رجل مجهول لايعرف نسبه ولايعرف دينه ولايعرف حقيقة المدرسة أو البيئة التي تربى فيها أو نشأ بها
سرعان ما بدأت تظهر أهم ملامح هذه الشخصية لكل من يقترب منها ممن نحسبهم على دين وصدق ؛ فتشابهت توصيفاتهم لهذا الرجل الذي تميز بحبه الشديد للإمارة والقيادة ولو أدى تمسكه بها إلى التنازل عن أي شيء
واستطاع أن يلعب بالأوراق التي حوله بطريقة محكمة ثم استطاع
حرق كل ما يقف امامه - من هذه الأوراق- عائقا؛ يشوش عليه سيطرته التامة على القيادة .
واستبقاء من يرضى أن يكون خادما مباشرا لشخصه ومن ثم مشروعه.
وساعده في ذلك التحالف الدولي بإزالة كل من صعب عليه إزالته من طريقه ؛ بقذيفة موجهة من الدرونز.
واكبر مثال على لعب الجولاني بالأوراق ؛ هو إعلان إنضمامه للقاعدة واستفادته من تلك الورقة استفادة يراها الجميع ، ثم لما تعارض انتسابه للقاعدة مع طموحاته - التي اصبح خيوطها عند الأمريكان - حرق علاقته بالقاعدة .
ولما كان رجالات القاعدة من حوله قيدا لايستطيع كسره ؛ ساعده التحالف بالدرونز
وهنا ننبه إلى أن اول خطوة أظهرت الفشل وكانت عاملا قويا من عوامل الإنهيار
هي إعلان فك الإرتباط عن القاعدة.
"الإعلان" في حد ذاته ...وقد ذكرنا من قبل أن الجبهة لم تمثل القاعدة في ساعة من الساعات
وننوه إلى أننا أصدرنا ملفين صوتيين ليلة فك الإرتباط ننصح ونحذر من فك الإرتباط وبينا في حينه المآل الأسود
"المرتبط بالسنن القدرية"الذي ستؤل إليه الجبهة إن هي فكت الإرتباط مع صنف من المؤمنين إرضاءا للكافرين
وقد كان ما توقعناه تماما لأن سنن الله القدرية الكونية لاتتغير ولاتتبدل
بإعلان بداية " هيئة تحرير الشام" بعد " جبهة فتح الشام"
ثم بخروج باقي مكونات هيئة تحرير الشام عن هيئة تحرير الشام ساخطين.. إلا بعض الشخصيات آنفة الذكر.
كان قد استقر للجولاني - في ظنه-كثيرا من العوامل التي تدفعه قدما للقيام بمشروعه الشخصي
وظن أنه قد وصل للمستوى الأمثل الذي يؤهله لتحقيق مايريد
هنا بدات تظهر ملامح مطامع الجولاني وبدأ خط الهبوط السريع
تمثلت عوامل فشل الهيئة وانهيارها بعد ذلك في صور متعددة ظاهرة
لكن كلها تنبثق مما ذكرنا وقدمنا
العامل الأول والأهم يكمن في طبيعة الشخصيات القائمة على رأس القيادة في الهيئة.
بداية من
الجولاني الخالي من المبادئ والدين والأخلاق "وإن حاول أن يظهر خلاف ذلك"
ودليل كل ذلك إخفائه لنسبه طيلة هذا الوقت.
فصاحب النسب الطيب لايخجل من نسبه أبدا ولايخفيه أبدا ويفتخر بنسبه ومعاني العلو فيه ..وهذه بديهة
ثم بمطية الجولاني
والمستند في كل ترهاته إلى قربه من زعيمه ذلك هو عطون المتقلب المتلون المتردد الذي أصل لجعل التغير والتلون هو الأساس!!
...والثبات والثوابت هي الفرع !!!
وذلك حين أصل لاختياره الفاسد باحقية منهج حماس ليكون سبيلالهيئة الجولاني
فأي انقلاب وأي خطل ممكن يؤدي إليه فصيل شرعيه الأول عبد الرحيم عطون
ثم الشخصية التي يراها الجميع فاسدة مفسدة و التي من العحيب حقا أنها كانت على راس الهيئة الشرعية في الجبهة والذي ظهر للجميع اهترائة وفساده وشططه وبراجماتيته في الأمور كلها وكذلك ظهر للجميع تمسك الجولاني به رغم ذلك.
ذلك هو أبو مارية القحطاني والذي يعتقد على نطاق واسع انه خزينة الأموال الداخلة من البترول في دير الزور
ثم من دخل في الجبهة او قل الهيئة "سيان" بعد ذلك من شخصيات معلوم جذورها ومعلوم فساد مشاربها ومعلوم مسالكها المنحرفة عن منهج أهل السنة والجماعة من قبل ذلك مثل كل المصريين أمثال أبي الحارث وابي اليقظان والفرغلي ، (وغيرهم لكن مجاهيل)
(مع اعتذارنا للجنود المصريين الصادقين الذين لم يتلوثوا يوما بانحراف)
من هذه الشخصيات كلها بداية من السلطان خرجت عوامل الفشل والانهيار كلها تترا
آخذين في الإعتبار فرار كل الصادقين في توجههم إلى ربهم او حتى في توجههم لصالح مجتمعهم؛ من الهيئة.
وفي نفس الوقت اجتمع في الهيئة كل متردية ونطيحة ممن همه جمع المال والشهوة
فما زاد هاذان العاملان الأخيران القيادة الشاذة إلا انحرافا وفتنة وشعور بالقوة والسلطان والنفوذ أدي بهم إلى الإيغال في الباطل
فمن سذاجة فكرية عقلية جعلتهم يعتقدون انهم ابناؤ الله وأحباؤه
اوقعهم هذا الظن مثل ما اوقع ببني إسرائيل
فجعلهم دائما يأخذون عرض الأدني تاركين خلف ظهورهم مراد الله
ظانين انهم في رضوان الله ورعايته طالما انهم لم يقعوا في الكفر.
*فاستبدلوا بشرع الله الأهواء ؛ من حرص النفس على المال والجاه
*وقدموا الحرص على إرضاء المجتمع الدولي وتنفيذ قراراته على مصلحة الجهاد ومصلحة دفع العدو وتطهير أراضي المسلمين سواء من المرتدين او الكافرين.
في الوقت الذي يعلم الجميع ان امثال هؤلاء لايرضى عنهم المجتمع الدولي ابدا حتى ولو خلعوا كامل ملابسهم للمجتمع الدولي
إلى تعصب للفصيل بالحق وبالباطل أنشأ صدام وعداوة مع كل الأطراف
لرؤية أنفسهم هم الأحق بالسيادة والسلطان والحكم والتصرف في الأموال
إلى استعلاء على البشر مع حب المال والجاه والسلطان
الأمر الذي انحرف بهم أيما انحراف جعلهم يجمعون المال والسلطان من حله وحرامه بحق وباطل
الأمر الذي جعلهم يصطدمون ويتنافسون مع الجميع حتى مع عوام الناس البسطاء فقد حاربوهم في أرزاقهم ومساكنهم وأمنهم واستقرارهم ووسائل عيشهم اليومي
إلى البحث عن النفوذ والجاه ولو كان بإرضاء الأعداء وإغضاب أولياء الله المجاهدين الموحدين
محرر عسكريا ومايتلو العسكرة يسلمون للاتراك التصرف الكامل ويسعون في تمهيد الامر لهم ليحتلوا
حتى أعماهم طمعهم إلى أن رآهم الناس
يسلمون الاراضي والضيعات ذات المكانة في نفوس الامة دون ما ممانعة
وبأريحية طالما سلمت لهم معايشهم ومناصبهم وأموالهم
يسلمون للاتراك التصرف الكامل ويسعون في تمهيد الامر لهم ليحتلوا المحرر عسكريا ومايتلو العسكرة
يقيمون الحواجز على الطرقات حماية للدوريات الروسية وسمع منهم من سمع ؛ تهديدهم لمن يفكر في النيل من الروس أثناء مرورهم على M4
وفي غمار تحصيلهم لمايرضي أنفسهم الوضيعة؛ رأي عوام الناس منهم مناكر عظيمة وكثيرة متعددة
البغي على الجميع بالسجن دون تهمة وأخذ الأموال بغير مبرر شرعي أو واقعي والاستهانة بالقتل وجمع المكوس
مع ذلك لم يرى عوام الناس منهم مايشعرون به انهم يهتمون بأمر الناس من توفير الخدمات بل على العكس يرى الناس كل الناس ان التجارات والأموال وجميع السلع والعقارات أصبحت في أيديهم وأيدي أمنييهم عديمي الدين والأخلاق والمروءة الذين دخلوا في الهيئة من أجل المال وادخلتهم الهيئة فيها لصلاحيتهم لهذه المهام الخسيسة التي لايرضى أن يقوم بها ذا دين او خلق أو مروءة
كل ذلك يفعله الجولاني ومن حوله وهم مطمئنون او تأتيهم تطمينات أن المجتمع الدولي راض عنهم ولو حزئيا ويحتاجهم في المهمة الأكبر وهي القضاء على الإرهابيين او حتى كبتهم وحصارهم بالفقر والضعف والتفرق والخوف
لكن لايدري إلا المؤمنون ان هذا الأمر هو مثل تشبث المتشبث ببيت من بيوت العنكبوت وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون
فلو كانوا يعلمون لعلموا ان من أهم اسباب سقوطهم من عين الله ثم من عين الناس ومن اسباب فشلهم وانهيارهم انهم اتخذوا أعداء الله أولياء استمدوا منهم الامن واستمدوا منهم المال والنفوذ
كل ذلك وغيره كثير كان سببا لفشل زريع وانهيار متوقع لفصيل لم يقم وزنا لأي من عوامل قيام الأمم والدول والمجتمعات
أبو أنس المصري