شاهدت الساحة الشامية خلال الحرب قيام عدد من القادة العسكريين البارزين ومنهم أبوالعبد أشداء الذي كان منتيماً الهيئة تحرير الشام سابقاً والان يقود فصيله المستقل تحت إسم <<تنسيقية الجهاد>>. وكان لي الشرف ان اجري مقابلة حصرية معه اليوم حيث ناقشنا سيرته وتقييمه للوضع الحالي في شمال غرب سوريا.
1- لو تتكلم عن سيرتك وعملك الجهادي من بداية الثورة؟ يعني مواليدك وما كان عملك قبل الثورة وما كانت مناصبك خلال الثورة؟ ومع أي فصائل اشتغلت؟ وحاليا أنت قيادي مستقل؟
باسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد؛
أبو العبد أشداء... عبد المعين كحال مواليد ١٤٠٦ هجري الموافق ل ١٩٨٦ ميلادي.
قبل الثورة كنت أعمل بالتجارة، ومع اندلاع الثورة كنت أدعو الشباب للتظاهر وفي نفس الوقت أقول: هذا لا ينفع ولا بد من العمل المسلح؛ لأني أعرف هذا النظام النصيري المجرم وقد حكى لي والدي وأقربائي عن إجرامهم بالثمانينات، وعاينت إجرامهم قبل الثورة ولمست حربهم للدين والقيم والأخلاق والأعراف الاجتماعية.
وبالفعل عندما بدأ العمل المسلح بمدينتي حلب كنت أساعد جمعيات الإغاثة والأعمال الإنسانية عموما، وفي نفس الوقت كنت إماما لمسجد العباس، وانضممت لصقور الشام لواء حلب، ووضعوني وقتها شرعيا للواء...، وفي سنة 2012 شكلت مع الأخ أبي أحمد الحلبي كتيبة أشداء وكنت نائب قائد الكتيبة وأتابع الأمور الإدارية والمالية عموما، وفي سنة ٢٠١٣ انضممنا لأحرار الشام حتى حصار حلب الثاني سنة 2016 ثم تركتْ أشداءُ أحرارَ الشام بعد انطلاق عملية درع الفرات، وبعد انهيار حلب وخسارة المناطق اتفقت فصائل حلب على وضع أمير لحلب، وكان الاختيار لأبي العبد أشداء، وقيل لي وقتها: تتدخل بكل شيء إلا موضوع واحد ليس لك القرار فيه وهو التفاوض مع العدو الروسي والانحياز من حلب... وبالفعل ما هي إلا أيام واتفقت الفصائل الكبرى على الخروج من حلب.
وبعد الخروج من حلب، وفي بداية ال٢٠١٧ تشكلت هيئة تحرير الشام وأعلنت أشداء الانضمام لها أملا في قيام مشروع يلبي طموح المسلمين في كيان قوي يدافع عن المحرر ويعيد تحرير الأماكن المحتلة، وشغلت بهيئة تحرير الشام مسؤولية قاطع حلب الغربي ثم قاطع حلب الجنوبي والأوسط. ثم مسؤول كتلة حلب المدينة وكذلك الإداري العام لجيش عمر... إلى أن تم سجني بالشهر التاسع لعام ٢٠١٩ في أمنية هيئة تحرير الشام بسبب مقطع الفيديو الذي صورته نصحا للأمة ولقيادة الهيئة وجنودها والذي كان بعنوان: "كي لا تغرق السفينة"..
وبعد انهيار الجبهات وسقوط معرة النعمان وغيرها من المناطق ودخول الجيش الوطني من أماكن غصن الزيتون أخرجوني من السجن، وشكلت مع بعض الأفاضل "تنسيقية الجهاد" ككيان جديد مستقل في محاولة لتدارك الوضع.
2- كيف تقيم الوضع العام في الساحة الشامية اليوم من الناحية العسكرية والإدارية والاقتصادية؟
الوضع العسكري والإداري الآن في الساحة الشامية هو وضع انكسار وتراجع وتكالب للأعداء وتآمر للدول، ولكن هذا الوضع غير الجيد له أسباب موضوعية واضحة يمكن علاجها مثل أي مرض له دواء معروف، قال تعالى: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ).
أما بالنسبة للوضع الاقتصادي في المناطق المحررة بالساحة الشامية حاليا ففيه حركة وعمل ومواد تموينية، لكنه واقع قائم في جزء كبير منه على عوامل خارجية غير ذاتية ترتبط بحركة المعابر ونشاط المنظمات، وهذا ما لا يجعله محل اطمئنان عند الأزمات؛ حيث إن تحقيق الاكتفاء الذاتي في أساسيات الحياة مطلب مهم لأي ثورة تريد تحقيق أهدافها الحقيقية.
3- لماذا خسرت الفصائل الكثير من المناطق خلال الحملات الاخيرة؟
من أهم أسباب الخسارة عدم الإعداد الكافي، والركون لاتفاقيات خفض التصعيد، والتعويل في حماية المنطقة على السياسات الدولية، والتزام كثيرين بالقتال في محاور محددة، وكذلك إهمال الحاضنة الشعبية بل وإساءة بعض الفصائل لها، كل ذلك من أسباب هذه الخسائر.
4- كيف تقيم الدور التركي في المنطقة؟ الآن نرى عددا كبيرا من الجنود الأتراك في إدلب وما حولها. هل سيؤثر ذلك على مستقبل المنطقة وإدارتها بشكل إيجابي أو سلبي؟
الهزيمة والخسارة سبب لتعقيد الوضع وإضعاف المشروع الثوري المجاهد، والدور التركي في المنطقة حسب ما يعلن الأتراك هو السير في الحل السياسي بين النظام القاتل والمعارضة، والتفاوض حول شريط حدودي معين، وليس هذا ما خرجت الثورة من أجله، خاصة مع يقيننا بأن الاحتلال الروسي مستمر في سياسة قضم المناطق وترتيب صفوفه لهجوم جديد، فالواجب علينا ألا نركن للخطوط الحمراء المزعومة فقد كانت حلب خطا أحمر ثم دمرها العدو على من فيها، فالواجب التوكل على الله تعالى وتجديد معالم الثورة والجهاد وتصحيح المسير، والعاقبة للمتقين.
5- لو تنحل كل الفصائل لكان ذلك أحسن للمنطقة؟ كيف بإمكان الفصائل أن تصلح المسير؟
المطلوب هو الإصلاح وتعديل المسير، وذلك بالتوبة إلى الله تعالى، وتقديم الأكفاء الأمناء، وإعداد ما نستطيع من أنواع القوة، واستغلال الفرص، والتلاحم مع الحاضنة الشعبية الطيبة، والشورى الشرعية الحقيقية، والحذر من مكر الأعداء..
ومن المهم ضخ دماء جديدة قيادية وميدانية تأخذ فرصتها في العمل وتنتبه للدروس المستفادة من تجارب سنين الثورة الماضية.
6- ما هو مستقبل الجهاد في الساحة الشامية؟
مستقبل الساحة المتوقع يتغير من يوم لآخر، وما كان متوقعا قبل سنة غير ما كان متوقعا قبل أربعة شهور، وما كان متوقعا قبل أربعة شهور غير ما أصبح متوقعا بعد انتشار مرض كورونا في العالم، وما أتوقعه هو أن تتعافى الساحة بإذن الله من عدد من الأمراض التي أدت لتأخرها.
7- ما رأيك عن تفشي كورونا؟ هل هو عقوبة من الله سبحانه وتعالى على الكفار؟
الأمر واضح في كلام الله جل وعلا، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، وقال جل وعلا: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)، وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين" رواه البخاري.