مقدمة الناشر (أيمن جواد التميمي)
في فترة سابقة نشرت على هذه المدونة مقالة خاصة بقلم كاتبة من مدينة معرة النعمان في محافظة إدلب. هي كتبت في ذلك الزمان عن ظاهرة عمالة الأطفال في إدلب. في مقالة جديدة كتبتها في الشهر الأول من هذه السنة تتكلم ندى عن ظاهرة الأرامل في إدلب.
أرامل الحرب في إدلب ..بين اليأس وتحدي الواقع
بقلم ندى المحمود
بدموع غزيرة ودعت ميساء ابنتها التي تبلغ من العمر سنتين، قبل أن تتركها في عهدة جدتها وتمضي مع والدها إلى بيته .
ميساء من مدينة معرة النعمان توفي زوجها منذ ستة أشهر، فقرر والدها أن يزوجها من رجل آخر، باعتبارها لا تزال في مقتبل العمر، ولا يمكنها أن تكمل حياتها وحيدة .
ميساء هي واحدة من آلاف النساء السوريات اللواتي فقدن الزوج والمعيل بسبب الحرب، وأصبح على عاتقهن مسؤولية تربية الأبناء، والإنفاق عليهم رغم قلة فرص العمل والظروف المعيشية المتردية .
والد ميساء يبرر سبب منع ابنته من حضانة طفلتها بالقول: "المجتمع لا يرحم الأرملة، ويراقبها دائماً، أما الطفلة ستكبر وتتزوج، وستجد ابنتي نفسها وحيدة دون سند أو معيل، وزواجها هو حق طبيعي، ﻭﻫﻮ حماية ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻞ ﻭﺍﻟﻘﺎل ."
الكثير من النساء الأرامل اخترن العمل، وناضلن رغم صعوبة الواقع المعاش لإيجاد باب رزق يستطعن من خلاله الإنفاق على أولادهن الأيتام رغم كل المعوقات والمصاعب التي تعترض طريق عملهن .
أم عادل ﺃﺭﻣﻠﺔ ﻣﻦ بلدة جرجناز ﺟﻨﻮﺑﻲ ﺇﺩﻟﺐ، تبين أن أﻛﺒﺮ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻭﺍﺟﻬﺘﻬﺎ بعد وفاة زوجها ﻫﻲ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﺍﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﺃﻃﻔﺎﻟﻬﺎ، ﻭﺍﺿﻄﺮﺍﺭﻫﺎ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﻭﺗﺮﻙ ﺃﻃﻔﺎﻟﻬﺎ لساعات دون رعاية، وعن ذلك تقول: "واجهت صعوبة كبيرة لإيجاد عمل بعد وفاة زوجي، حتى تمكنت من العمل كمستخدمة في إحدى المشافي براتب قليل بالكاد يكفي أسرتي حتى نهاية الشهر، لكنه يظل أفضل من لا شيء ."
ﻣﻀﻴﻔﺔً ﺃﻧّﻬﺎ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﻟﻠﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﺩﺍﺕ ﻣﻦ ﻣﺠﺘﻤﻌﻬﺎ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺃﺭﻣﻠﺔ ﻭﺗﻌﻤﻞ ﺧﺎﺭﺝ ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ .
ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻬﺎ ﺃﻡ ﻣﺤﻤﺪ ﺃﺭﻣﻠﺔ ﻣﻦ ﺧﺎﻥ ﺷﻴﺨﻮﻥ، ﺃﻛﺪﺕ ﺃﻥّ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﻴﺔ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺃﻫﻢ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺍﺟﻪ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻷﺭﺍﻣﻞ ﻓﻲ ﺇﺩﻟﺐ، ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ ﺗﻮﻗﻒ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺍﺕ الإغاثية ﺑﺸﻜﻞ ﺷﺒﻪ ﻛﺎﻣﻞ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ، وعن ذلك تعبر بقولها: "فقدت ﺯﻭجي ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻬﺮ ﺍﻟﺘﺎﺳﻊ من عام 2013، ولدي ثلاثة أبناء، لذلك بحثت عن عمل يجنبني الحاجة لأحد ."
تشير أم محمد بأنها تعمل في الزراعة إلى جانب تربية بعض الأغنام، وتجني من مردود عملها بعض الأرباح التي تساعدها في تأمين الاحتياجات الضرورية لبيتها ."
تضيف أم محمد: " ﻗﻠّﻤﺎ ﺗﺠﺪ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻣﻦ ﻳﻌﻴﻠﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻭﻓﺎﺓ ﺯﻭﺟﻬﺎ، ﺳﻮﺍﺀ ﻣﻦ ﺃﻗﺮﺑﺎﺀ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﺃﻭ ﺃﻗﺮﺑﺎﺋﻬﺎ، ﻷﻥ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺳﻮﺭﻳﺎ، ﻭﺍﻟﻐﻼﺀ ﺍﻟﻔﺎﺣﺶ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﻨﺸﻐﻞ ﺑﺘﺄﻣﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﻠﺰﻡ ﻟﻌﺎﺋﻠﺘﻪ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺠﻌﻞ ﺃﻣﺜﺎﻟﻲ ﻣﻬﻤﺸﺎﺕ ﻭﻣﻨﺴﻴﺎﺕ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻌﻮﻧﺎﺕ ﺍلإﻏﺎﺛﻴﺔ ﺍﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺍﺕ ﺍﻟﻨﺎﺩﺭﺓ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻭﻫﻨﺎﻙ ."
ليست الأربعينية أم حسن من مدينة إدلب أفضل حالاً، حيث أصبح على عاتقها تربية أحفادها الأربعة بعد وفاة والدهم وأمهم خلال الحرب .
« ﺇﻧّﻬﺎ ﺣﺮﺑﻨﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺨﻮﺿﻬﺎ ﻓﻲ ﻳﻮﻣﻴﺎﺗﻨﺎ » . ﻫﻜﺬﺍ ﺗﻌﺒّﺮ أم حسن ﻋﻦ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻣﻊ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﻴﺔ ﺍﻟﻀﺎﻏﻄﺔ، ﻭﺻﻌﻮﺑﺔ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﺍﻟﺤﺪّ ﺍﻷﺩﻧﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﺧﻮﻝ ﻟﺘﻮﻓﻴﺮ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺎﺕ لها ولأحفادها، حيث ﺗﻘﻴﻢ ﻓﻲ ﺷﻘﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻭﻗﺪﻳﻤﺔ ﻣﺴﺘﺄﺟﺮﺓ .
ﻭﺟﺪﺕ أم حسن ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻴﺎﻃﺔ ﺑﺎﺏ ﺃﻣﻞ ﻳﺴﺎﻋﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻤﺮﺍﺭ، ﻭﺑﻤﺎ ﺃﻥّ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﺧﺒﺮﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ، ﺑﺪﺃﺕ ﺃﻭﻻً ﺑﺈﺻﻼﺡ ﺍﻟﺜﻴﺎﺏ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻭﺗﻘﺼﻴﺮ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪة بأسعار مخفضة، ﻭﺑﻌﺪﻫﺎ ﺍﻧﺘﻘﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺧﻴﺎﻃﺔ ﻗﻄﻊ ﺃﺳﺎﺳﻴﺔ، تؤمن من مردودها العيش الكريم .
لا تقف معاناة الأرملة عند هذا الحد بل تتعداه إلى ما تعانيه ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺗﻮﻓﺮ ﺩﺧﻞ ﺛﺎﺑﺖ، ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺍﺟﻬﻬﺎ ﻣﻊ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺰﻭﺝ، ﻛﺘﺪﺧﻞ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺰﻭﺝ ﻓﻲ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻷﺑﻨﺎﺀ ﻭﻓﺮﺽ ﺁﺭﺍﺋﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺤﺪ ﻣﻦ ﺣﺮﻛﺘﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﻀﻴﻴﻖ ﻋﻠﻰ ﺧﺮﻭﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻴﺖ، ﻭﺍﻟﺘﺸﻜﻴﻚ ﻓﻲ ﻗﺪﺭتها ﻋﻠﻰ ﺭﻋﺎﻳﺔ ﺍﻷﻭﻻﺩ، ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﻣﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺇﻛﻤﺎﻝ ﺩﺭﺍﺳﺘﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭﻫﺎ ﺍﻟﺨﺎصة، ﻭﺇﺿﺎﻓﺔ ﻟﺬﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﺗﻮﺍﺟﻪ الأرملة ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻛﺘﺠﻨﺐ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺼﺪﻳﻘﺎﺕ ﻭﺍﻷﻗﺎﺭﺏ ﻟﻬﺎ ﺧﻮﻓﺎً ﻋﻠﻰ ﺃﺯﻭﺍﺟﻬﻦ، ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻮﺩ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺸﻌﻮﺭ باليأس واﻟﻮﺣﺪﺓ، ناهيك عن معاناة معظمهن من عدﻡ ﻭﺟﻮﺩ ﺑﻴﺖ ﻣﺴﺘﻘﻞ تعيش ﺑﻪ ﻣﻊ ﺃﻭﻻﺩﻫﺎ .
ﻣﻌﻈﻢ ﺍلمنظمات الإنسانية والمشاريع ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﻡ ﺧﺪﻣﺎﺗﻬﺎ ﻟﻸﺭﺍﻣﻞ ﻭﺍﻷﻳﺘﺎﻡ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﺗﺆﺩﻱ ﺃﺩﻭﺍﺭﺍٌ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺨﻔﻴﻒ ﻣﻦ ﺻﻌﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻋﻠﻴﻬﻦ، ﺇﺫ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﺮﺍﻣﺞ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻭﺷﺎﻣﻠﺔ ﺗﺨﺪﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺍﺟﻪ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺟﻤﺔ، ﻻﺳﻴﻤﺎ ﺃﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺰﻭﺝ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺳﻤﻮﻥ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ ﺍﻟﻜﻔﺎﻻﺕ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﻷﺑﻨﺎﺋﻬﺎ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻔﺎﻻﺕ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻻ ﺗﻜﻔﻴﻬﺎ ﻣﺼﺎﺭﻳﻒ ﻟﻬﺎ ﻭﻷﻃﻔﺎﻟﻬﺎ، ﺧﺼﻮﺻﺎٌ ﺑﻌﺪ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺃﺳﻌﺎﺭ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺃﺿﻌﺎﻓﺎً ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ .
مع ارتفاع وتيرة الحرب تتزايد ﺃﻋﺪﺍﺩ الأرامل ﻓﻲ إدلب ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ، وتواجه معظمهن ﺻﻌﻮﺑﺎﺕ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺟﻤﺔ ﺗﻀﺎﻋﻒ ﻣﻦ ﺃﻻﻣﻬﻦ ﻭﻫﻤﻮﻣﻬﻦ ﻭﺃﺣﺰﺍﻧﻬﻦ بعد ﻓﻘﺪ ﺷﺮﻳﻚ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.