في هذه المدونة اود ان اجري مقابلات مع شخصيات على ارض الواقع في سوريا. واليوم أجريت مقابلة حصرية مع أبو يحيى الشامي الذي عمل مع عدة فصائل كان اخرها هيئة تحرير الشام. وتكلمنا عن عدة أمور منها سيرته وتخصصه والوضع العام في الشمال السوري وإنتشار كورونافيروس في العالم. الجدير بالذكر ان الاستاذ ابو يحيى الشامي هو باحث في امور السياسة الشرعية والقانون الدولي.
١. لو تتكلم عن سيرتك خصوصا بعد قيام الثورة والجهاد في الساحة الشامية؟ مع أي فصائل عملت وما هو دورك في الساحة الشامية حاليا؟
كنت أكتب رسالة الماجستير في القانون الدولي، وعيني وقلبي على الثورة التُّونُسيَّة ثم المِصريَّة، وقتها بدأتُ فيمن بدأ الإعداد وتوطين النفس للقيام بثورة على النظام النصيري المجرم في سوريا، وفي أواخر عام 2011م قُبِض عليَّ من منزلي وصودرت كتبي وأجهزتي وبقيت في السجن لشهرين حيث اعترفت بالتَّظاهر ولم يستطع المحققون إثبات ما عداها، والتُّهم كثيرة وخطيرة!.
بعد خروجي من السِّجن عملت مع أكثر من مجموعة ثورية ولم ألتزم بانضمامٍ، باحثاً عمن يحقق الثَّورية والإسلامية معاً في توجهه، عرض علي مبايعة تنظيم جبهة النصرة فرفضت عندما علمت أن البيعة تؤخذ لأبي بكر البغدادي وقتها، كنت مع كتائب أحرار الشام منذ نشأتها، ثم عملت كأول نائب عام في أول محكمة شرعية في الثورة السورية، ثم عملت شرعياً مع ألوية صقور الشام، وعندما اندمجت مع حركة أحرار الشام بقيت شرعياً مع الحركة، حتى وقَّع قائدها اتفاق الاندماح مع جبهة فتح الشام وفصائل أخرى، فكنت فيمن حضَّ على اتمام الاندماج اعتصاماً بحبل الله.
وعندما تشكلت هيئة تحرير الشام بايعت قائدها الشيخ هاشم الشيخ أبا جابر مباشرة، استمريت كشرعيٍّ مدة ثم عملت في الدراسات السياسية ضمن مكتب دراسات يتبع إدارياً للهيئة، وعن نفسي عملت منذ بداية الثورة إلى اليوم باستقلالية فكرية ملتزماً بالضوابط الشَّرعيَّة التي تعلو التَّنظيميَّة، استقلت من هيئة تحرير الشام منذ ثمانية أشهر، وأنا الآن مستقلٌّ تنظيمياً ملتزمٌ بالثَّوريَّة والإسلاميَّة، أركِّز عملي على البحث والكتابة في تخصصي خدمة للثورة والجهاد، أسأل الله التوفيق والقَبول.
٢. ما هو تقييمك للوضع في الساحة الشامية بشكل عام؟ هل ماتت الثورة في الظروف الحالية؟
الثورة السورية فكرة ترتكز على عقيدة إسلامية راسخة لا تموت، ربما تخبو الثورة لبعض الوقت لكنها تتوهج من جديد، وهذا وعدٌ ربانيٌّ طالما أن ثورتنا جهادٌ في سبيله تعالى.
الثَّورة الآن في حال ضعف وارتهان، والوضع في الساحة الشامية غير مستقر، مما ينبئ بتغييرات جديدة، لن تكون التغييرات لصالح الثورة ما لم يكن هناك نخبة تسعى في مصالحها، وللتأكيد والحصر مصالح الثَّورة وليس مصالح النُّخبة، لا بد من مراجعاتٍ وإصلاحاتٍ عامةٍ لتحقيق ذلك.
٣. ما هو موقفك من الدور التركي في المنطقة والاتفاق التركي الروسي الجديد؟ هل يمثل الاتفاق خطراً وتهديداً على الثورة؟
الدور التركي مختلط، تغلب عليه المصلحيَّة العلمانيَّة مع وجود مسحة إسلامية لا يمكن إنكارها يفرضها التَّاريخ العثماني العريق، لكن أداء القيادة التركية العملي أدنى من الخطاب الديني المقدم بكثير، على كل حال وبالنظر إلى الدول ذات الأصل الإسلامي الموقف التركي محمود على الأقل لأن مصالحها وتصريحاتها التقت مع الثورات العربية.
بالتأكيد الاتفاقات التركية الروسية منذ بدايتها إلى اليوم تمثل خطراً وتهديداً وجودياً للثورة، فهذا الخط يمكن استشراف نهايته التي تحقِّق مصلحة الدولتين، سوريا موحدةٌ مركزيةٌ ليس فيها ثورةٌ تُهدِّد مصالح روسيا، وليس فيها أحزابٌ كرديَّةٌ تُهدِّد الدولة التركية، وواضح للجميع أن الدولة السُّورية العَلمانيَّة التي سيتم التوافق الدولي عليها ستكون محكومة بأكثرية من شبيحة النظام وأقلية من شبيحة آخرين.
٤. من تجاربك مع عدة فصائل ما هي أكبر مشاكل شاهدتها ضمنها؟ كيف بإمكان الفصائل أن تصحح مسارها؟
أول وأكبر مشكلة في الوجود هي مشكلة الكبر، بطرُ الحقِّ وغمطُ النَّاس، وهذا للأسف موجود في بعض القيادات وإلا لتطاوعوا واتفقوا، وهناك مشاكل أخرى من أهمها غياب الرؤية الاستراتيجية العميقة، وتعطيل الكفاءات الحرَّة، وتشتيت الحاضنة الثورية بسبب إهمال التواصل بصدق وشفافية، عموماً المشاكل في مجملها متفرعة من المشكلة الأكبر.
الفصائل مجرَّبة، ولا يمكن أن تصحِّح مسارها بنفسها، هذه دوَّامة سنوات، التَّصحيح يكون بالتَّواضُعِ للشَّعب الثائر، وإعطاء النخب الثورية المقبولة شعبياً دورها في التَّقييم والتَّقويم، لتكون مرجعيَّةً ملتزمةً بثوابت الشَّرع والثَّورة، وبغير هذا نبقى في الدَّوامة فاقدي الاتِّجاه والفاعليَّة.
٥. ما هو مستقبل إدلب وما حولها على ما تعتقد وتتوقع؟
إن بقي الحال على ما هو عليه، واستمرت التفاعلات بنفس الوتيرة، ستكون إدلب وشمال سوريا شريطاً حدودياً متفقاً عليه يحقق الأمن القومي التركي ويحتوي الثورة سياسياً وعسكرياً واجتماعياً، احتواءً ليس بمعنى الاحتضان، ثم تبدأ التفاعلات السِّياسيِّة لتحديد شكل وتركيبة سوريا المستقبل، إلا أن توهَّجت الثَّورة بوعيٍ جماعيٍّ وفكرٍ منتجٍ، فسيكون مستقبل إدلب تحرير سوريا كاملةً إن شاء الله.
وأخيرا نتحول الى المشهد العالمي. طبعًا شهد العالم انتشار كورونا فيروس. هذا هو عقوبة من الله سبحانه وتعالى نزلها على النظام العالمي والشياطين الكبرى?
نعم، {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [ابراهيم : 42]، لقد كَثُر الخَبَثُ في العالم، وطغى الكفَّار ومن يدَّعون الإسلام، واقتربت الساعة، وانتشار الأوبئة من أشراطها، ولقد ذكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم "مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ" فيما عدَّ من أحداثٍ تحدث بين يدي الساعة، والحديث في صحيح البخاري، نعوذ بالله ونسأله أن يسلِّم.
وليس المرض والموت فقط تأثير فايروس كورونا الجديد، بل هناك آثار عظيمة تنزع من النِّظامِ الدوليِّ الحاليِّ أسباب تماسكه وقوَّته، كما ترون إن الوباء أصاب بعض كبار السياسيِّين، وأجبر الدول على إغلاق المؤسسات والحدود، وإن استمر سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد العالميِّ، وهو أهم ركيزة للنظام الدولي.
بالتَّأكيد هذا الوباء وغيره من غضب الله على هذا النِّظام بدُولِهِ وقياداته، نسأله تعالى أن يكون خيراً للمسلمين، فلقد عَظُم الخطب علينا وانقطعت أسباب الأرض ولنا رجاء لا ينقطع بأسباب السماء، فإن أصاب الوباء مسلماً فهو شهيد بإذن الله، ومن بقي منا يتابع طريق الجهاد بما استطاع من عُدَّةٍ وقُوَّةٍ وبما وقر في قلبه من توكُّلٍ حتى يتحقَّقَ وعدُ الله بالحُسنيين، نسأل الله أن يستعملنا وأن يمنَّ علينا بالنَّصر والتَّمكين.