مقدمة الناشر (الإعلامي أيمن جواد التميمي)
كيف ترى شتى الجهات في ادلب وما حولها الإتفاقية التركية الروسية الجديدة? انا كاعلامي حر احب ان انشر آراء الناس على ارض الواقع وتحليلاتهم. وفي هذا السياق انشر هذه المقالة الخاصة بمدونتي وهي بقلم الشيخ ابو شعيب المصري (طلحة المسير) ويمكن ان يتذكر القارئ انني اجريت مقابلة معه الشهر الماضي بخصوص المعارك في المنطقة. وفي هذه المنطقة يحلل الشيخ الإتفاقية الروسية التركية الجديدة.
الوصاية التركية على إدلب ومآلاتها
شهدت الأعوام الأخيرة خاصة منذ خروج المجاهدين من حلب تفاهمات روسية تركية برزت في مؤتمرات الأستانا وسوتشي وما نتج عنها من تفاهمات متعددة كان آخرها التفاهم التركي الروسي بموسكو في الخامس من هذا الشهر الثالث لعام 2020، والذي يؤكد على أمور منها:
- استمرار العمل بمسار الأستانا وسوتشي والأخذ بعين الاعتبار مسار جنيف.
- مكافحة جميع أشكال الإرهاب والقضاء على جميع الجماعات الإرهابية في سوريا على النحو الذي حدده مجلس الأمن.
- إنشاء ممر آمن على امتداد 6 كم على طول كل جهة من جهتي الطريق m4 المتواجدة في المناطق المحررة، وتسيير دوريات مشتركة روسية تركية عليه.
- أنه لا حل عسكري للصراع في سوريا وأنه لا يمكن حله إلا من خلال العملية السياسية التي يسرتها سوريا بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254.
- وحدة الأراضي السورية.
وقد تبع هذا الاتفاق اجتماعات روسية تركية صرح أثناءها وزير الخارجية التركي أن جنوب طريق m4 سيخضع للرقابة الروسية وشماله سيخضع للرقابة التركية، وهو ما يعني الرغبة التركية في تسليم مناطق كثيرة من الأراضي المحررة في جبل الزاوية وريف إدلب الجنوبي وريف حماة والساحل إلى المحتل الروسي.
تزامن هذا الاتفاق مع حشودات تركية كبيرة في شتى مناطق إدلب لا يمكن النظر لها على أنها مجرد نقاط مراقبة، بل لها مهام عسكرية وسياسية متعددة..
فما الأبعاد المتوقعة لهذه المستجدات:
أولا- الوصاية التركية على إدلب:
إن هذه الحشود العسكرية التركية في إدلب والتي تبعتها تلك الاتفاقية التركية الروسية تعني رغبة تركيا في الوصاية على منطقة إدلب وتحديد مصيرها، وأن ما ظهر من اخشوشان الجيش التركي مع الجيش النصيري هو مجرد ضغط لتقاسم النفوذ والتأكد من تحقيق مصالح تركية في ملفات كشرق الفرات وتل رفعت ومنبج، وكذلك الملف الليبي مع روسيا، وملف مضادات الطيران مع أمريكا، وملف اللاجئين مع أوربا، فقد كان أردوغان يقول قبل سفره لموسكو: "سنشن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد قوات النظام في إدلب إن لم ينسحب النظام إلى خلف النقاط التركية خلال شباط الجاري" ثم تبين أن هذا الكلام ليس جادا وهو مجرد ضغط إعلامي قبل المؤتمر لتحقيق مكاسب سياسية.
ومما يؤكد ذلك أن السياسة التركية في الملف السوري منذ 2011 تسير على نسق واحد، ولم تكن الدماء التي أريقت والمدن التي دمرت والأقاليم التي هجرت والأسرى والأسيرات خلال تلك الأعوام دافعا للحكومة التركية للتدخل العسكري المباشر المؤثر في الملف السوري، سوى ما جرى من تدخل محدود في الأعوام الأخيرة يتعلق بملف المليشيات الكردية الانفصالية حفظا للأمن القومي التركي... وقد تحولت المناطق التي سيطرت عليها تركيا في عفرين ودرع الفرات وغصن الزيتون بالنسبة للثورة ضد نظام بشار إلى مناطق تجميد جبهات وترسيم مناطق نفوذ.
وهذا التعاطي التركي شبيه لتعاطيها مع ما تعرضت له الثورة المصرية والليبية واليمنية خلال السنين الماضية، فتركيا دولة تلتزم بمراعاة توجه وضغط النظام العالمي، فيمكنها أن تستقبل لاجئين أو تدعم ببعض المال والسلاح أو تشجب وتندد، أما أن تقوم بتحالف عسكري مصيري بينها وبين تلك الثورات فهو تصور بعيد جدا عن الواقع وعن السياسة التركية.
والدولة التركية دولة قومية تتماشى مع المنظومة العالمية لتحقيق مصالح مادية لشعبها، أما الثورة السورية فقد خرجت على النظام النصيري الذي هو أثر من آثار المنظومة العالمية وجزء من الدول الوظيفية التابعة للدول العالمية؛ لذا فإن تطويع الثورة مجددا للنظام العالمي الحالي هو عمل على إنهاء الثورة وإفشالها.
* فالسيطرة التركية ووصايتها على إدلب تعني:
- التزام تركيا بإخضاع المنطقة للمنظومة العالمية.
- تطبيق تركيا ما تتفق عليه مع القوى العالمية في هذه المنطقة، مثل: الحل السياسي، ونزع السلاح، وإدخال دوائر الحكومات الأخرى لإدلب..
- تحول الثورة إلى مجرد قوة ضغط توجهها الدول الإقليمية في الوجهة التي تحقق مصالح تلك الدول.
- السيطرة على البنية التنظيمية لكبرى الفصائل وعلى قرارها ومسيرتها.
- تكرار تجربة درع الفرات والتي تحولت فيها مرجعية المحاكم من الإسلام إلى القانون السوري، وتم فيها التضييق على الحركات الإسلامية مع استشراء الفساد والفوضى.
- تورط تركيا في مآزق تشبه ما تعرضت له السعودية عند تدخلها باليمن في عاصفة الحزم؛ حيث وقعت في الاستنزاف وتهددت مصالحها ولم تحقق ميدانيا ما كانت تصبو له.
ثانيا- موقف الثوار والمجاهدين من الوصاية التركية:
لم يكن حمزة الخطيب جائعا يبحث عن لقمة خبز فثار على بشار..
ولم يكن حسين الهرموش خائفا يبحث عن مأوى آمن لذا انشق عن جيش بشار..
إن معرفة حقيقة الثورة السورية والمراحل التي مرت بها مهم في تصور الموقف المتوقع بعد اللقاءات الروسية التركية..
لقد كان الشعب السوري يعيش حياة متوسطة فليس هو من الشعوب الفقيرة ولا هو من الشعوب فاحشة الثراء، وكان عامة السوريين يتحلون بأخلاق وآداب حسنة والتزام بكثير من شعائر الإسلام كالصلاة والصوم والزكاة والحج، ويحفظ من أراد القرآن، ويتخرج من أراد من الكليات والمعاهد الشرعية، ولكنه مع ذلك كان تحت حكم عدوه النصيري الذي يسيطر على مقاليد الحكم وينحي الشريعة ويتعالى على المسلمين ويضرب بيد من حديد على من يتدخل في أمور السياسة، لذا ثار الشعب السوري على تلك الطغمة المجرمة..
ورغم ما فوجئ به السوريون أول ثورتهم من فداحة الضريبة التي يدفعونها في مواجهة الحكم النصيري من اعتقال وقتل وجرح وتدمير وتشريد إلا أنهم أصروا على الجهاد، وأعلنوها صراحة: الموت ولا المذلة، ما لنا غيرك يا الله، في سبيل الله نمضي..
- فما هذه الثورة إن كانت نهايتها طلب استرحام من الطاغية ليقبل بترك النازحين يعيشون بلا قصف في منطقة آمنة حدودية، وتحت وصاية تركية؟!
- وما قيمة الهدوء المرحلي الذي يلزم منه عودة ملايين اللاجئين من دول العالم إلى حضن النظام النصيري فيستغلهم في بناء جيشه المجرم من جديد انتظارا لهجوم جديد؟
- وهل أضر الثورة وأخرها وجر لها الهزائم والويلات شيء مثل ارتهانها بالقوى الدولية والداعمين ومؤتمرات الأستانا وسوتشي والرياض وجنيف؟
* إن نظرة عاجلة تؤكد أن ما ظهر في إدلب حاليا من رفض معلن لهذه الاتفاقية التركية الروسية يحمل في طياته رفضا للوصاية التركية على المنطقة، ويؤكد وجود قناعة عامة بالقدرة على مواصلة الثورة والاستمرار في الجهاد، وأن التراجع الحالي هو بسبب المؤامرات الدولية وتأثيراتها المباشرة على الفصائل الكبيرة، وأن العلاج الصحيح للهزائم الأخيرة هو في تصحيح المسار لا في مزيد من الارتباط بتلك القوى الإقليمية التي تتاجر بمعاناة الشعب السوري ولا تستطيع الخروج عن المنظومة العالمية التي لا زالت تعترف ببشار رئيسا لسوريا..
ثالثا- المآلات المتوقعة للوصاية التركية على إدلب:
الثورة السورية تعيش اليوم مأزقا هو نتيجة سلسلة طويلة من الأخطاء في الموازنة بين مصلحة الثورة السورية ومصلحة الدول الأخرى التي تدخلت في الملف السوري، ونحن اليوم أمام أحد مسارين متوقعين؛ هما:
= المسار المتوقع الأول: تصحيح مسار الثورة: وذلك عبر:
إعادة ترتيب الأولويات..
وحشد المجتمع للمعركة المصيرية..
وتفعيل الطاقات والكفاءات المعطلة..
وجعل الدور التركي داعما للثورة لا وصيا عليها..
في سبيل تغيير الواقع الميداني والتقدم إلى مناطق إستراتيجية في حلب أو حماة أو الساحل، وبذلك تخرج الثورة من عنق الزجاجة وضغط التوظيف الدولي، وتستعيد مرونتها وقدرتها على التعاطي مع الأحداث.
= المسار المتوقع الثاني: ازدياد الوصاية التركية على إدلب: وهذا يعني:
مزيد تقلص المناطق المحررة..
واستمرار التآمر الدولي لإنهاك الثورة..
والتضييق على الفصائل الثورية والمجاهدة..
وتمرير الحلول السياسية الدولية..
* ولكن هذا يعني كذلك تغير الصراع في إدلب إلى صور جديدة غير الصورة الموجودة حاليا، وستنتعش غالبا الصراعات المناطقية والاقتصادية والقومية والعقدية والمحلية والإقليمية والدولية والعالمية بصور لا يمكن حاليا حصرها، وما تجربة درنة في ليبيا عنا ببعيد؛ حيث كان سقوط تلك المدينة الصغيرة مؤذنا بتحول الصراع في ليبيا وما حولها إلى صور كثيرة لم تكن في حسبان أحد.
* وسواء أكان مستقبل الصراع في إدلب هو تصحيح مسار الثورة أو ازدياد الوصاية التركية فإن الله جل وعلا لا يضيع أجر من أحسن عملا، وستكون العاقبة للمتقين، وسيرد الله جل وعلا كيد الكافرين.