منذ بداية الحرب في سوريا هاجر عدد كبير من مشايخ مهاجرين إلى أرض الشام لكي يعملوا في العمل الجهادي من عدة نواحي مثل الدعوة والتوجيه الشرعي والقضاء الخ. ومن هؤلاء المشايخ الشيخ أبو اليقظان المصري من مدينة إسكندرية أصلا وحاليا هو في الشمال السوري (إدلب وما حولها). وكان لي الشرف ان أجري مقابلة حصرية معه عن سيرته في العمل الجهادي وتقديره للوضع الحالي في الساحة الشامية. واليكم نص المقابلة كما هي.
السؤال الأول:
هل بإمكانك أن تتكلم بشكل مختصر عن سيرتك في الجهاد؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أنا العبد الفقير إلى عفو ربه أبو اليقظان محمد ناجي، مصري من الإسكندرية أبلغ من العمر 48 عامًا طلبت العلم بفضل الله مبكرًا وعملت في الدعوة من خلال المساجد وأسسنا دارًا لتحفيظ القرآن الكريم وعملت في الأعمال الخيرية عبر تأسيس جمعية خيرية لرعاية الفقراء والأيتام حتى قيام الثورة السورية، فهاجرت إلى الشام رغبةً في مهاجر إبراهيم عليه الصلاة والسلام ونصرةً للمستضعفين الذين تجبَّر عليهم هذا الطاغية بشار الأسد، وأعانه على قتل هذا الشعب المكلوم الاحتلالُ الإيراني والاحتلالُ الروسي، والله عز وجل يقول: [وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ] (الأنفال: 72)، فالإسلام لا تحده حدودٌ جغرافية.
ولست أبغي سوى الإسلام لي وطناً *** الشام فيه ووادي النيل سيان.
وحيثما ذكر اسم الله في بلد *** عددت ذاك الحمى من لب أوطاني.
وقد عملت بتوفيق الله وفضله في العمل الشرعي في الجهاد الشامي فواظبت على خطبة الجمعة في أرض الشام وشرحت كتبًا علمية لطبة العلم وعملت في القضاء وشاركت في كتابة مقالات جهادية عبر منابر إعلامية شتى ودرّسّت في معسكرات الإعداد وأشرفت شرعيًا على غرف عمليات كثيرٍ من الغزوات مع التحريض على القتال وأسأل الله عز وجل أن يكتب لنا أجر الهجرة والرباط والجهاد في أرض الشام المباركة.
السؤال الثاني:
متى هاجرت إلى الشام وما هو عملك في الشام منذ وصولك؟ ولأي جهة تتبع حاليا؟
هاجرت إلى الشام عام 2013 وارتبط عملي بالجانب الشرعي على اختلاف مشاربه؛ فالتحقت بحركة أحرار الشام الإسلامية لدى وصولي لسوريا حيث عملت معهم في المفصل الشرعي في مدينة حلب ما يقارب الأربع سنوات ثم التحقت باندماج الفصائل السورية في هيئة تحرير الشام بعد سقوط مدينة حلب وظللت مع هيئة تحرير الشام عامين ثم عملت في الدعوة في القطاعات العسكرية بصورة مستقلة إلى وقتي هذا.
السؤال الثالث:
بشكل عام كيف تقيم الوضع الحالي في الساحة الشامية؟
نظام بشار الأسد سقط منذ بدايات الثورة السورية ونحن نواجه احتلالا روسيًا إيرانيًا مدعومًا بميلشيات من حزب الله اللبناني وميليشيات رافضية من العراق، ومع التهجير القسري وخُدع المصالحات والخيانات انزوت الثورةُ السورية في إدلب وبعض أرياف حلب وحماة واللاذقية؛ فتجمع في هذه الرقعة الصغيرة في الشمال السوري المحرر خيرةُ المجاهدين من المهاجرين والمهجرين ومن سكان هذه المنطقة الرافضين لحكم بشار الأسد. وقد عملت روسيا وإيران على إضعاف الروح الجهادية والنفَس الثوري من خلال مؤتمرات أستانا وسوتشي وقامت بحملات عسكرية لقضم مناطق كبيرة من المحرر بدءًا بمعارك شرق السكة ثم معارك شرق الطريق للسيطرة على الطريقين الدوليين؛ M4" و M5 "، وحاليًا يواصلون أعمالهم العسكرية للقضاء على المجاهدين والله عز وجل يقول: [وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا] (البقرة:217). فالصراع بين الحق والباطل سنة الله الماضية، ونحن نقوم بالواجب الشرعي في قتال الكفار والدفاع عن أراضي المسلمين، نبتغي بذاك ذروة سنام الإسلام محققين أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: «والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل» رواه البخاري. فالله جل وعلا أمرنا بالقتال والدفاع عن أعراضنا ومقدساتنا وقد وعدنا إحدى الحسنيين فلا نبالي بأيِّها ظفرنا؛ النصر أو الشهادة [قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ] (التوبة: 52) (وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء: 74)
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا.
السؤال الرابع:
لماذا تخسر الفصائل مناطق كثيرة؟ ما هي أسباب الفشل في الدفاع عن المناطق؟ كيف تحل هذه المشاكل؟
يوجد تقصير بلا شك في الإعداد لهذه المعركة المصيرية وقد خُدعت القيادات بوهم الهدن طويلة المدى فانشغلوا بالإدارات المدنية للمنطقة المحررة على حساب التجهيزات العسكرية من تحصين وتصنيع حربي وتطوير عسكري وزيادة في عدد المقاتلين وكفايتهم ماليًا. والحل يكمن في عودة الفصائل إلى الخيار العسكري والاهتمام الحقيقي بالقوة العسكرية وعدم التعويل على التفاهمات الدولية.
السؤال الخامس:
ما هو موقفك من الدور التركي في المنطقة؟ إذا تدخلت تركيا بشكل أعمق في إدلب وما حولها هل تعتقد أن هذا سينقذ الشمال السوري من النظام وحلفائه؟
تركيا دولة علمانية تسعى لتحقيق مصالحها في المنطقة وهي شريكة لروسيا وإيران في اتفاق سوتشي الذي يُفضي إلى إنهاء الثورة السورية، وقد تتقاطع مصالحها مع مصلحة الثورة السورية في بعض المواقف التي يجب استغلالها. أما تدخل تركيا بشكل أعمق في إدلب فلن يؤثر كثيرًا في المشهد العسكري حيث أن تسع نقاط مراقبة تركية قد دخلت الآن ضمن سيطرة نظام الأسد ولم تمنع سقوط تلك المناطق.
السؤال السادس:
ما هو مستقبل الجهاد في الساحة الشامية؟
المستقبل غيب لا يعلمه إلا الله وقد تكفل الله بالشام وأهله كما ثبت بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: " فإن الله تكفل لي بالشام وأهله"، وعن أبي عبد الله الشامي، قال: سمعت معاوية، يخطب وهو يقول: يا أهل الشام حدثني الأنصاري يعني زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتلون على الحق حتى يأتي أمر الله» وإني أراكموهم يا أهل الشام.
والمتأمل للواقع الحالي يرى نظاما منهارًا في دمشق؛ فنظام الأسد يعاني من تفكك عسكري وأزمة اقتصادية كبيرة وانفلات أمني وتدهور إداري. في حين أننا في إدلب نمتلك مقدرات بشرية ومادية تؤهلنا بفضل الله وقوته من الوصول إلى دمشق؛ ولا ينقصنا إلا أن نتقي الله عز وجل ونعطي القوس باريها ونُفعِل تلك الطاقات.
السؤال السابع:
هل من كلمة أخيرة توجهها لعموم المسلمين؟
قدَرُنا أنّا وُجدنا في زمن نُحِّيَ فيه الإسلام عن إدارة الحياة، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم. وإن الله عز وجل سائلنا عن هذا الدين:
ماذا نقول لربّي حين يسألنا عن الشريعة، لَم نحمِ معانيها.
ومن يجيب إذا قال الحبيب لنا: "أذهبتموا سنّتي والله محييها".
إن لم نردّها لدين الله عاصفة سيذهب العرض بعد الأرض نعطيها.
فلينصر كلٌ منا الدين من موقعه حسب استطاعته؛ ويجب على علماء الأمة أن يبينوا للناس ويوضحوا لهم ما يحاك لدينهم فإذا تكلّم العالم تقية والجاهل يجهل، فكيف يُعرف الحقّ؟ وكما قيل:
يا علماء الدين يا ملح البلد من يصلح الدين إذا الملح فسد؟